تاريخ الكشافة العالمية
بداية الحركة الكشفية :
إن تأسيس الحركة الكشفية لم يكن وليد الصدفة، بل هي تلبية لحاجة وضرورة، وهذا الذي أدى إلى انتشارها في مختلف دول العالم، ولكننا تعتبر أن الكشفية ظاهرة عرضية على الرغم من أن مؤسسها لم يكن ينوى إيجاد مدرسة أو إعطاء براءة ذمة لمنهج ما، ولكنه أطلق فكرته في إطار زمانه ومتطلبات مجتمعه وهو بذلك سبق عصره بكل معنى الكلمة، إذ كانت له رؤى تتعدى الصفات الخاصة به ككشاف إلى حاجات المجتمع الذي يحيط به، ولذا اختار بادل بأول حياة الغابات حبا بالطبيعة والعراء ن ولإيمانه بفائدة العيش والنشاط في الهواء الطلق، وهي ليست دعوة للانفلات والكسل، بل هي عملية تمرين للتعرف على الطبيعة في أمور العيش والنمو والبناء ضمن الإطار الاجتماعي. وقبل الحديث عن مراحل تطور الحركة الكشفية عالميا نلقى الضوء في البداية على مؤسسها الأول وهو اللورد / روبرت ستيفنس سميث بادن باول.
** نشأة روبرت بادن باول:
ومن أوائل الكتب الني ألفها كتاب ( الاستطلاع والكشفية ) الذي صدر عام 1884 م ، وقد تضمن الأسس الفنية لاختصاصاته التي ظهرت فيما بعد . ولقد كانت الصعوبات العسكرية التي يواجهها الجنود البريطانيون من قبائل البوير الأفريقية سببا في نقل فرقة ( الهوسارد 13 ) التي انتمى إليها روبرت . وهكذا نقل روبرت إلى أفريقيا الجنوبية . كان عدو الجنود البريطانيين هم قبائل البوير الذين كانوا يريدون التحرير ، كان دور روبرت هو مهمة سرية استكشافية لجمع المعلومات ومعرفة إمكانية الهجرة بصفة مدنية لأهداف عسكرية بحتة ، وخلال تجواله فارسا لمدة شهر قطع فيها ألف كم لم يطلق أي رصاصة مع أنه أنجز عملا نال به تقدير رؤسائه ، وهكذا أمضى روبرت مدة ثلاث سنوات ضمن حاميته فأصبحت له خبرة في مجال الاستطلاع والاستكشاف في العمق وار تفع عنده فن الملاحظة ، ولقد كانت الحياة في المستعمرات حياة رغيدة بتوفر فيها كل سبل الحياة اللاهية ، ولكن روبرت حافظ على الاستقامة شاغلا نفسه بأمور عديدة مثل الرسم ودراسة اللغة والعادات المحلية وتأليف الكتب . استطاع روبرت بادن باول أن يقنع هيئة الأركان البريطانية بأهمية فن الاستكشاف الذي سيجعل من بادن باول تعد مضى خمسة وعشرين سنة نمط حياة مطابقا للحياة المدنية المسالمة ، ولقد ألف أول كتاب له بعنوان ( استطلاع وكشفية ) ، ولقد استطاع أن يضع معلوماته عن الكشفية موضع التنفيذ ينما أتيحت له الفرصة عام 1888 م حيث اختاره اللواء سميث مساعدا له على الرغم أن رتبته كانت أقل مما تتطلبه هذه المهنة ، وكانت مهمة البعثة التي تتكون من ستمائة جندي من البريطانيين والسود هي لاستتباب الأمور على الحدود مع قبائل الزولو والقبض على الزعيم ( دينزيلو ) ثم مساعدة مقيم إنجليزي المفوض المساعد الذي كان محاصرا في داره من قبل الزولو . وهكذا نجح الضابط المكلف روبرت في هذه المهمة بفضل معلوماته وخبرته ، والاستفادة من كشافته البيض والسود ، ولقد استفاد بادن باول من هذه التجربة ثلاثة أمور هي :
1- الهدية التي قدمها له الزعيم دينزيلو وهي عقد كبير علقت فيه بعض القطع الصغيرة م الخشب المنحوت ، التي أصبحت تقدم فيما بعد إلى المفضلين إلى كشافته كبادرة ما زالت قائمة حتى الآن .
2- تجربته بأن لا يكتفي بمواجهة العدو فقط ، ولكن أن يتسفيد من طريقته في الحياة والعيش والثقافة ، مهما كان هذا الخصم ، فلأفراد جميعا على مستوى واحد في هذه القيم .
3- الثالث أغنية ( زولو ) بأدائها نغمتها التي أصبحت تما معروفا لكل الكشافة .
لقد وصل روبرت بادن إلى رتبة عميد في سن التاسعة والثلاثين وأصبح قائد للفرقة الخامسة للخيالة ونقل إلى الهند مرة أخرى ثم أنشأ فرقة كشافة في سريته لاقتناعه بأنه واجب ، واهتم بتدريبهم واخترع شعارا خاصا بهم يشبه زهرة الزنبق ، ثم ألف كتابه ( استطلاع وكشفية ) لمساعدة الجنود في مهمتهم الاستكشافية .
كان لشهرة بادن باول جور لي نشر الكشفية ، ولعل بداية شهرته على مستوى بريطاني العظمى في ذلك الوقت هو مهمته التي قام بها في فك الحصار عن ( مافيكنغ ) ، وهي إحدى القرى الإفريقية التي كان يحاصرها البوير ، ولقد اهتمت الصحف البريطانية بهذا النصر بإسهاب شديد ، واعتبرت هذا النصر تاريخيا ، وبعد هذه الحادثة رقى روبرت بادن باول إلى رتبة جنرال (لواء ) وكان الأصغر في الجيش البريطاني من بين من يحملون هذه الرتبة حيث كان عمره أنذاك 43 سنة ، وهكذا أصبح المدافع عن ( مافيكنغ ) خلال أيام معدودة البطل الوطني لبريطانيا .
ميلاد الكشافة الإسلامية الجزائرية
تعتبر الحركة الكشفية من الحركات الرائدة في الجزائر وقد يعود الفضل في إنشائها إلى المناضل الشهيد محمد بوراس منذ تأسيسها سنة 1936 اعتبرت من بين المدارس الأولى والحقيقية التي اهتمت في برامجهــــــا بكل النواحــي التربوية.
ظلت الكشافة الإسلامية الجزائرية محافظة على مبادئهـــا الأساسيـــة منــذ ذلك الحيــن وفــي مقدمتــــهـــا الوطن والديـن واللغــة- بالإضافــة إلى نشاطهـــــا وبرامجــها المتنوعــــة والمتمثلة خاصــة في الأجيال وتكوينها مع الأخذ في الحسبان تطورات العصر.
ويرجع ميلاد الحركـــة الكشفيــــة في العالــــــم إلى البريطاني "بادن باول" سنـــة 1908 بعد ذلك توسعت لتشمل العديد من القارات الأخرى. ففي عام 1912 كان ميلاد الحركة الكشفية في الوطـــن العربي ولم يظهر أول فوج بالجزائـــر إلا سنة 1930 تحت اسم " ابـــــــن خلـــدون" وقـــد واجهتــــــــه الإدارة الفرنسية بالطرد ضغطت عليه مما جعله يقبل بانضمام يهود وفرنسيين حتى يتمكن من استمرار في نشاط فكانت نية فرنسا من هذا الانضمام هدفه الجوسسة اضطراب عمل الفوج وتحريف اتجاهها.
فالظهور الحقيقي للكشافة الإسلامية الجزائرية كان في سنة 1934 تحت اسم "الفلاح"وبقيادة محمد بوراس تكونت بعد ذلك أفواج أخرى في كل من مدينة مليانة و تيزي وزو و توسعت بعد ذلك إلى المدن الجزائرية الأخرى.
لم تعمل يأتم معنى الكلمة إلا بعد اعتمادها بتصريح إداري في جوان 1936 تحت رقم:2458 وتحت اسم "الكشافة الإسلامية الجزائرية" والذي ظلت تحمله إلى يومنا هذا.
فميلاد تيار التجديد والإصلاح والنهضة من أجل المحافظة على الشخصية الجزائرية ساهم في إعطاء الفكرة للمناضل محمد بوراس في إنشاء فوج "الفلاح" الكشفي والذي أصبح يعمل بشكل قانوني فيما بعد رفضته الإدارة الفرنسية في البداية إلا آن محمد بوراس لم ييأس من إعادة الكرة حتى يتحصل على الاعتماد.
ذلك أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية للجزائر كانت سيئة للغاية الأمر الذي جعل القادة المشرفون على الأفواج حديثة النشأة منها فوج " الفلاح" يدقون الأبواب للحصول على مساعدات مادية لشراء لباس مميز وقد نشط المشرفون من أجل جذب المنخرطين إليها ولاسيما الشباب.
وفي جويلية 1939 عقدت أول مؤتمر لها بالحراش تحت إشراف الشيخ عبد الحميد ابن باديس "
وبمقتضى هذا المؤتمر أسست الفيدرالية الجزائرية للكشافة الإسلامية وتم تعيين القيادة العامة التي تسند إليها مهمة التربية وتطبيق البرامج.
وفي سنة 1944 بمدينة تلمسان حضرت آنذاك العديد من رؤساء الأحزاب بجانب رئيس جمعية العلماء المسلمين الشيخ البشير الإبراهيمي وضم المؤتمر حوالـــي 450 عضــــوا من كافة أنحاء القطـــر الجزائـــــــري ولأول مـــــرة في هـــــــذا اللقــــــاء رفرف العلـــــم الجزائــــري وقـــــدم نشيد " من جـبالنـا".
في هذه السنة توسعت الحركة أكثر وتحسنت نوعا وعددا وجلبت العديد من الشبان مما ألفت انتباه الشرطة الفرنسية التي كانت على أتم الاستعداد لتطويقها وحتى يكون للمنظمة دورا فعالا وتخدم المجتمع أكثر فكر القادة في توسيع عضوية العنصر النسوي فيها وكان ذلك في ديسمبر1946.
وفي جويلية 1948 عقدت المنظمة مؤتمرا آخر وجاء ذلك بعد حوادث 8 ماي 1945 التي زعزعت التنظيم الكشفي عبر كافة التراب الوطني كل الأفواج وقادتها وبكونهم ينتمون إلى الحركة الوطنية كانوا في مقدمة المظاهرات السلمية التي واجهتها فرنسا بكل وحشية وقمع.
وفي نفس الفترة شاركت الكشافة الإسلامية الجزائرية في المهرجان العالمي للشباب والطلبة المنعقد بمدينة براغ العاصمة التشيكية ثلاثة اشهر فقط قبل اندلاع الثورة المسلحة.
شاركت أيضا في أول مؤتمر كشفي عربي بقيادة المناضل الشهيد عمر لاغا.
في تلك الفترة توسعت نشاطات الكشافة لتشمل شتى الميادين حيث كانت تقدم عروضا مسرحية وأناشيد وطنية وفي مقدمتها " عليك مني السلام يا أرض أجدادي"و"بلادي بلدي أنت حبي وفؤادي" وقد اعتبر هذين النشيدين من أهم الأناشيد التي يهتز ويصفق لها الجمهور.
ومن جهتها ساهمت الجمعيات الثقافية والرياضية بجانب الأحزاب السياسية في تنمية الحس الوطني الذي أدى إلى ميلاد جبهة التحرير الوطنيين ونذكر من بين هذه الجمعيات وبعملها التربوي الكشافة قد أخذت القسط الأوفر في غرس حب الوطن والثورة في قلوب الجماهير.
وهكذا استمر النشاط الكشفي خلال الثورة المسلحة وقد فتح لها أبواب واسعة خاصة في استعمال مقرات الحركة كملاجئ ومستشفيات سرية ومخابئ للذخيرة و الأدوية وقد أثبت الكشاف الشاب وجوده وقام بدوره على أحسن وجه كفدائي ومسبل كما كانت تبرمج الجولات والمخيمات الكشفية لتكون وسيلة اتصال مع المجاهدين أما بالخارج فهدفها كان تكوين ضباط وقد التحق فيما بعد العديد من أعضائها بالكفاح المسلح.
في أول نوفمبر 1956 قدم احد أعضائها النشيطين مسرحيته الشهيرة لأول مرة بعنوان132 سنة لولد عبد الرحمان كاكي وفي سنة 1957 شاركت الكشافة الإسلامية الجزائرية في المخيم الكشفي العربي الخامس بالمغرب حيث تم في هذا اللقاء إطلاع قادتها على تجارب جديدة لبعض الدول الصديقة والتي سبقتهم في الميدان.