يحتفل العشاق في كافة انحاء العالم هذه الايام بعيد الحب، هذا العيد الذي أسال كثيرا من الحبر وقيل فيه الكثير مما يرفع من شأنه حينا وينتقده ويعده من السلبيات حينا اخر.. ومهما يكن من أمر كل الاقاويل التي دارت حوله، فالرأي عندنا ان هذا العيد يمكن ان يكون جسرا ممدودا بين البشر، يقلّص الفوارق ويقرّب المسافات ويغمر الحياة عواطف جياشة واحاسيس راقية، بها يتغلّب بنو الانسان على ما يعترضهم من صعاب وما يظهر في سماء وجودهم من سحب وغيوم وما يمكن ان يعتري العلاقات الانسانية من توتر والمشاعر التي نريدها صافية راقية من تكلّس وتحجر وجمود..
فالحب يبقى ـ في هذا الزمن المتغير المفتون بالآلة وبآخر المستجدات على الساحة التكنولوجية والاتصالية الحديثة - علامة مضيئة ومرفأ آمنا تؤمه مراكب العشاق والأحبة والمسكونين بالمشاعر الرقيقة وبالعلاقات الرومنسية الحالمة، بعيدا عن الاصباغ والمساحيق والكلفة والتصنّع والمجاملات الآنيّة الزائفة والمظاهر المادية المتسلطة على وجدان الانسان الظامئ دوما الى الرقة ورهافة الخيال وانسياب العواطف الموحية والمثيرة...
لذلك، لا غرو ان يحتفي العشاق في مشارق الارض ومغاربها بهذه العاطفة الراقية وان يقيموا لها كل سنة عيدا يكون فرصة للتعبير عن التعلق بمن يحبونهم وعن الوفاء لهم وبقائهم على العهد، لا يتبدّلون، مهما تبدلت الايام وتغيرت الظروف..
وفي هذا الاطار من الوشائج الانسانية الراقية والتداعيات الوجدانية المتوهجة، يبقى الحب غرضا اساسيا من اغراض الشعر الانساني على امتداد العصور ومحورا رئيسيا من محاور الادب قديمه وحديثه... ومن منا لا يذكر، كلما ذكرت عاطفة الحب، شعراء وأدباء خلّدتهم جذوة الحب التي توهجت في كلماتهم ورقرقة الحنين وانسياباته في ثنايا حروفهم وصورهم واشتعالاتهم المثيرة تمتلئ بها ارجاء النص وزوايا القصيدة؟
من منا لا يذكر قصائد عنترة في «عبلة» وقصائد عمر بن ابي ربيعة الغرامية ذات المنحى القصصي المشوق، وقصائد جميل التي اضاءتها ومضات عشق عذريّ كما تضيء القناديل الزوايا العائمة في الظلام، وقصائد بشار بن برد وابي نواس وابن زيدون وابن الخطيب ثم بعدهم قصائد ابي القاسم الشابي وبدر شاكر السياب وعلي محمود طه واحمد شوقي وفي الغرب شعراء عشاق كـ «لامرتين» صاحب قصيدة «البحيرة» و «أراغون» صاحب «عيون إلزا» و«بول جيرالدي» صاحب «أنت وأنا» و «بول الوار»و«قيوم أبولينار» وغير هؤلاء كثير.. من منا لا يذكر كتاب ابن حزم الاندلسي «طوق الحمامة» الذي خصصه للحديث عن العشاق والتائهين في شعاب الحب، مقتفيا اخبارهم ، حافظا لسيرتهم ولأشعارهم الرقيقة الصادقة؟
إننا نعيش عصرنا المتيّم بالمادة على اكثر من صعيد، بل وترانا احيانا نتزاحم ونتدافع من اجل الحصول على حصتنا من تلك المحاصيل المادية التي يفرضها علينا وقتنا هذا بل لا نتصور ان واحدا منا باستطاعته ان ينكر هذه التبعية التي تجرنا جرا الى الانخراط في سباق المادة المحموم، فمن قعد عن ذلك ورفض الاخذ بناصية العصر فاتته القاطرة وبقي في مكانه اعزل حتى من الطموح.
كل ذلك صحيح وندركه جيدا، ولكن ما ضرّنا ونحن نعدو عدونا المجنون ذاك وراء المادة، ان نسخر بعض الوقت لعواطفنا ومشاعرنا والجانب المضيء في جوانحنا رغم ما يكتنف زوايا عديدة من الوجدان البشري من بقع الظلام التي ترفض ان تنقشع وان تترك مكانها للشمس الدافئة تتسلل الى ارجاء الروح تملؤها ضياء ونورا واملا مقيما؟
ان عيد الحب يمكن ان يكون وسيلة من الوسائل الموصلة الى تلك الغاية، متى كان اقتناعنا بها صادقا وصادرا عن ارادة قوية نافذة مقنعة؟
نحن بحاجة الى ان نروّض نفوسنا على تلك العاطفة الانسانية النبيلة وان نقدم لناشئتنا، في برامجهم التعليمية وفي كتبهم المدرسية نماذج راقية من قصائد الحب.. تلك العاطفة الانسانية التي لا يمكن ان تخبو او يجف لها معين، مهما كانت الظروف والتكاليف..!
ان ذلك لكفيل بتحسيسهم بإنسانيتهم تتجلى في ثنايا الكلمات، تأصيلا للكيان وشحذا للقرائح نحو مزيد من العطاء والتألق والشموخ